تقارير| رحل القائد الحمادي .. وبقيت القضية والمشروع والتاريخ
خبان برس| تقارير
بقلم/ فخر العزب
بتشييع جثمان الشهيد عميد ركن عدنان الحمادي قائد اللواء 35 مدرع إلى مثواه الأخير في مسقط رأسه ببني حماد بريف تعز، تكون حياة الرجل قد طويت إلى الأبد، لكنه أيضا يكاد يكون القائد الوحيد في تاريخ العسكرية اليمنية الحديثة الذي لم يرحل إلا وقد خلَّف قضية ومشروعا وتاريخا عصيا على النسيان.
ويمكن للمتابع استلهام هذه المعاني من خلال جنازة التشييع التي كانت الأكبر في تاريخ تعز - إن لم تكن في تاريخ اليمن أجمع - فقد مثلت الجنازة استفتاءً شعبيا حول الرجل الذي استطاع أن ينقش اسمه خالد في سجل الخالدين، وفي أنصع صفحات التاريخ اليمني الحديث باعتباره ابن المؤسسة العسكرية الذي ظل وفيا لشرفه العسكري منحازا للشعب ومدافعا عن الوطن في مواجهة المشاريع الصغيرة التي تريد النيل منه.
فحين تهاوت الرموز العسكرية اليمنية بتسارع يشبه تساقط أحجار الدومينو حيث قامت بخلع الرتب العسكرية من على بزاتها وقامت بتسليم المعسكرات بسلاحها وعتادها للميليشيا المسلحة المنقلبة على الدولة، ظل ابن الفلاح عدنان محمد الحمادي وفيا للقيم الأصيلة التي رضعها وترعرع عليها، كما هو وفيا لشرفه العسكري الذي أقسم ذات يوم أن يحافظ عليه، فكان القائد هو واحدا من القادة الاستثنائيين الذين قرروا المواجهة رغم فارق التسليح بينه وبين من يقاتلهم، فكان قراره أشبه بالجنون، لكنه الجنون الجميل الذي يجعل صاحبه يرتقي مرتقا صعبا في سجل العظماء والقادة الوطنيين.
ولأنه يستند على تاريخ عسكري ناصع البياض، وقيم ريفية أصيلة لا تخصع ولا تركع لأشكال الترهيب ولا تنحني أمام ألوان الترغيب، فقد ظل صامدا كشجرة بنٍ في بني حماد لا تركع أمام تغيرات المواسم والفصول.
انحاز الحمادي لشرفه العسكري، وقرر الدفاع عن الوطن والشعب في مواجهة الميليشيا الانقلابية، وقاد في أبريل 2015 كتيبة من الشجعان من أبناء اللواء 35 مدرع الذين انحازوا معه لخيار الدفاع عن الشرعية وكانوا بضع مئات فقط سطروا أعظم ملاحم البطولة في المطار القديم الذي يمثل مؤخرة اللواء.
كانت الحنكة العسكرية التي يمتاز بها الحمادي تقوده للانتصار لمشروع بناء الجيش الوطني باعتباره ضمانة المؤسسة العسكرية وحصنها الحصين، ولذا عمل على إعادة بناء اللواء 35 مدرع ليكون نواة للجيش الوطني الذي يعد مطلبا شعبيا لكل اليمنيين، فعمل على فتح العديد من الجبهات لتشتيت جهود الانقلابيين الذين كانوا حينها في ذروة قوتهم وبطشهم وتلذذهم باجتياح المدن وقتل أبنائها.
بالتزامن مع المعارك القتالية التي قادها هؤلاء الأبطال كان التوجه لإعادة بناء اللواء كنواة للجيش الوطني هو الهم الذي حمل عاتقه قائد اللواء عدنان الحمادي والذي اختار المكان الأنسب لهذه المهمة منطقة المعافر، هناك حيث ولد لليمن جيشه.
في الأيام الأولى للمقاومة في تعز ذهب القائد عدنان الحمادي لضرورة تشكيل مجلس عسكري، وبالفعل تم تشكيل المجلس برئاسة صادق سرحان، وعضوية يوسف الشراجي وعبدالرحمن الشمساني وعدنان الحمادي والشيخ حمود سعيد المخلافي، وبعد ذلك قرر الحمادي أن يفتح جبهة خارج المدينة لفك الحصار عنها، فقام اللواء 35 مدرع بتجميع ضباطه وأفراده في منطقة الضباب التي اقترحها الشراجي، على الرغم من صعوبة العملية التي تحتاج إلى امكانيات مادية كبيرة للسكن والتغذية والتسليح.
وفي الضباب تأسست كتيبة الشهيد عبدالرقيب عبدالوهاب والتي تضم عناصر عسكرية قديمة ومؤهلة بالإضافة إلى عدد من المناضلين من أبطال المقاومة الشعبية.
كانت المساحة الجغرافية في الضباب صغيرة ولا تحقق هدفها في تشتيت قوة العدو، فوقع اختيار القائد عدنان الحمادي على النشمة مركز مديرية المعافر لإعادة تنظيم وتجميع اللواء 35 مدرع حيث بدأ تجميع المقاتلين هناك بدعم جماهيري ومجهود شعبي، كما تم عقد أول مهرجان لإسناد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية.
في شهر أغسطس 2015 ومن داخل مدرسة 13 يونيو بالنشمة أعلن القائد عدنان الحمادي عن بداية إعادة تنظيم اللواء 35 مدرع، وحدد أن أي عسكري لم يقاتل مع الميليشيات الانقلابية عليه أن يأتي للانضمام للواء 35 مدرع، وأن يأتي أفراد اللواء 35 الذين لديهم أسلحة شخصية، ومن لا يملك سلاحا يأتي لتسجيل اسمه ويبقى في منزله إلى حين يتم توفير السلاح، أما المدنيون المتقدمون للتجنيد فيجب أن يكونوا تحت سن 27 سنة وأن يكون لديهم سلاح، ووصل عدد القوة التي تم تشكيلها إلى 1500 فرد، وكانت هذه أول كتيبة تم تدريبها من المجندين الجدد إلى جانب العسكريين الذين عملوا كمدربين، كما عقدت أول دورة تأسيسية للمجندين.
ومع توفر الدعم الشعبي - رغم محدوديته - تم إعداد أول كتيبة في معسكر النشمة، وقد تم الدفع بهذه الكتيبة إلى منطقة الضباب بعد تراجع الجبهة فيها، لتكون عونا للقوة المتواجدة هناك، وقد نجحت هذه الكتيبة بتحرير حوالي 15 موقعا.
وبعد أسبوع تم افتتاح معسكر العين الذي استوعب حوالي 300 فرد من المجندين الجدد مع بعض العسكرين كمدربين، وفي الأسبوع الثاني تم فتح معسكر في منطقة التربة ليصل عدد المعسكرات إلى ثلاثة معسكرات في النشمة والعين والتربة.
وخلال إعادة تشكيل اللواء 35 مدرع عمل قائد اللواء على الالتزام بالمعايير العسكرية من خلال فتح معسكرات التدريب للمجندين الجدد من أفراد المقاومة الشعبية، وايكال القيادة في المواقع والمناصب القيادية إلى شخصيات عسكرية مؤهلة ومحترفة، قادرة على إدارة المعركة بكفاءة، وهي القيم والمعايير التي من شأنها بناء الجيش على أسس وطنية، وبما لا يتناقض مع مخرجات الحوار الوطني.
لقد مثلت عملية إعادة تشكيل وبناء اللواء 35 مدرع ومضة النور في مسيرة بناء الجيش الوطني في تعز واليمن ككل، ومثل اللواء 35 مدرع بارقة الأمل لليمنيين الذين يسعون لبناء جيش وطني لا يدين بالولاء لحزب ولا لجماعة ولا لعائلة ولا لفرد، بل يكون ولاؤه لله والوطن والثورة، وانحيازه للشعب، وقد كان القائد عدنان الحمادي هو مهندس وصانع مشروع بناء الجيش الوطني الذي ولد من تعز .
نجح القائد عدنان الحمادي في ترجمة مشروعه في بناء الجيش على اللواء 35 مدرع والذي يمثل أنموذحا حقيقيا للجيش الوطني، فهو اللواء الوحيد الذي جميع قياداته من العسكريين المحترفين من حملة الشهادات العسكرية والمشهود لهم بالخبرة والكفاءة والقدرات الإدارية، كما أنه يضم في صفوفه قيادات وأفراد موزعون على كامل التراب الوطني حيث يتواجد في اللواء قيادات وأفراد من جحة وعمران وصنعاء وإب وأبين وكل المحافظات اليمنية.
كما أن هذا النجاح انعكس ميدانيا في حجم المساحات الشاسعة التي تحررت في تعز بقيادة القائد عدنان الحمادي واللواء 35 مدرع والذي امتلك مقومات النجاح الإدارية التي ترجمت عسكريا في عديد من الجبهات أبرزها الضباب والمسراخ والأقروض والصلو وغيرها.
ولاشك أن مشروع الجيش الوطني الذي أسسه القائد الحمادي قد أزعج عددا من القوى السياسية والاجتماعية التي لها رؤية مخالفة في بناء المؤسسة العسكرية تتعارض مع رؤية ومشروع الحمادي، وهو ما تسبب بحدوث تباين واضح في وجهات النظر لم يلبث أن تحول إلى تصادم ومن ثم خصومة وعداء تحملها هذه الأطراف ضد الحمادي التي رأت أنه بات المهدد الأبرز لمشاريعها في السيطرة والاستحواذ.
عملت هذه الأطراف على استهداف الحمادي عسكريا واعلاميا وسياسيا، وصولا إلى اتخاذ قرار التخلص منه، فقد عملت على نقل الصراع المسلح إلى مناطق الحجرية وقامت بتشكيل ما يسمى باللواء الرابع مشاة جبلي في مسرح عمليات اللواء 35 مدرع، ومن ثم نقل ميليشياتها المعروفة بالحشد الشعبي إلى مناطق الحجرية تحت اسم الحملة الأمنية أو إلى مناطق محاذية للحجرية، بالإضافة إلى افتعال المشاكل بهدف تفجير الحرب عسكريا ضد اللواء.
كما أن الحمادي تعرض لحملة تحريض وتخوين ممنهجة من وسائل الاعلام الممولة من قطر وهو ما كشف عنه صراحة في أكثر من لقاء صحفي قبل موته، حيث أكد أن قطر عبر أدواتها في الشرعية تسعى لإقالته، حيث شنت وسائل الاعلام والناشطون الموالون لقطر حملة ممنهجة لاغتيال العميد الحمادي معنويا تمهيدا لتنفيذ جريمة اغتياله، فاتهموه بالعمالة للإمارات والتمرد على الشرعية وايواء الجماعات الارهابية، كما بشر بعض الناشطين بقرب مقتل الحمادي قبل مقتله بأسابيع.
في الثاني من ديسمبر 2019 تم اغتيال القائد الحمادي داخل منزله في أبشع جريمة اغتيال سياسي تشهدها تعز في تاريخها الحديث، لتبقى القضية التي خلَّفها القائد هي قضية الانتصار لدمائه من بعده، والانتصار لمشروعه الذي بذل روحه في سبيله، وبلاشك فإن موكب التشييع الشعبي المهيب كان بمثابة استفتاء على هذا المشروع الذي كان له قصب السبق في تأسيس نواة الجيش الوطني.

ليست هناك تعليقات: